الأيام القديمة حين كانت مداخل البيوت تختفي خلف أسوار من
الحجر الأحمر وزجاج التوافد ملون بالازرق .....السماء أيضا زرقاء....كنا
نحتمي خلف أسوار مدرسة الأشراف نراقب احتراق طائره الفانتوم في
السماء ...كرة حمراء عملاقة معلقة بين السماء والأرض ودخان اسود
كثيفا.....قبل ذلك كانت المعلمة تقص لنا عن بحر البقر وكيف قتل الاطفاال
الأبرياء ..قلبها يفيض بكراهية العدو عيناها مليئتان بالدموع وعندما
أتمت قصتها كانت قلوبنا جميعا تفيض بكراهية العدو عندها.........أصيبت
الطائرة فوق سماء مدرستنا
تماما ....
صباح يوم ألجمعه التالي صحونا على أصوات آلات التنبيه تعلن عن غاره جوية
للعدو فأسرعنا جميعا إلى المخابئ أسفل البيوت انزوت النسوة في ركن
وتجمع الرجال في الركن الآخر واحتشد أطفال الشارع خلف أسوار المخبأ حيث
شكلنا حلقه حول مجدي جكس .......كان يكبرنا بعام ..طويل القامة اسود
الوجه ذو أسنان شديدة البياض كنا نكن له شعورا خاصا...فقوته ألبدنيه
كانت تمثل لنا نوعا من الحماية والأمان كان مهابا من جميع أولاد
الشارع......................بحماس الطفولة التلقائي كنا نأتمر بأوامر
مجدي زعيمنا حين كان يصيح .........هيا نخرج من هذا المخبأ لنحارب
العدو ..........ونسالة أيمكننا إن نهزم الأعداء ؟.......يجيب....نحن
مائة مليون عربي لو كنا ذباب سنغطي سماء إسرائيل ونحجب الشمس..واسأله
ماذا لو تحول كل منهم إلي طائرالمدرسة.!يجيب سنحطمهم كما فعلنا
بطائرتهم فوق المدرسة ....اندفعنا جميعا خلفه في الشوارع الخالية
تغني......(طفي النور يا ولية إحنا عساكر دورية )واتجهنا خلفه إلي
المدرسة ........تسلق السور العالي ....جاهدنا حتى استطعنا اعتلاء
السور .......خطى فوق حافة الجدار سرنا خلفه بأقدام مرتعشة حتى بلغ
زاوية السور التي تفصل مدرستنا عن مدرسة القوميه الثانوية ......برزخ
مائل ذو قمة مدببة تنعكس أشعة الشمس على كسرمن زجاج ثبت بملاط لمنع فرار
الطلبة .... تقدم بثبات منتقيا مواضع لقدمه بين قطع الزجاج الحادة
كالنصل.....نتبعه ...نقتفي خطواته والرعب يملا قلوبنا من هول ألمخاطره
حتى أصبحنا فوق شجرة البرتقال الكبيرة بحديقة ألمدرسه وأمرنا بالتقاط
حبات البرتقال التي أصبحت في متناول أيدينا البرتقالات الصغيرة الخضراء
الفجة حيث كنا في أوائل الشتاء.....وأخذنا طريقنا راجعين فوق السور وكل
منا يحمل عدة برتقالات بين يديه مما جعلنا لا نستطيع استخدام الأيدي في
حفظ التوازن فأصبحت عودتنا شديدة الصعوبة....مشينا كبهلوانات السيرك
وعند منتصف السور اختل توازني وغاص قلبي بين ضلوعي وإنا أهوى بين السور
العالي تعبث بي الريح وافقد الوعي وانتبه لأجد نفسي وحيدا فوق ارض مدرسة
الأشراف......تحاملت على نفسي قفزت اعتليت السور تشبثت بزراعاي نازلا إلي
الشارع خارج السور وجدت الرفاق متربعين على الأرض مكونين حلقه ولمحنا
الملازم أول محمد كمال احد شباب الشارع الذين ذهبوا إلى
الجبهة ....ملابسه ممزقه وذقنه نابتة ويبدو عليه الإرهاق ...يقولون انه
جاء سيرا علي الأقدام عابرا سيناء انتبهنا إلى مجدي واقفا في مواجهة سور
المدرسة يفك أزرار سرواله .............اصطففنا جميعا بجواره نبول على
سور المدرسة ........جلسنا على رصيف الشارع وجلس في مواجهتنا
مجدي ........ قشر برتقالة فقشر كل منا برتقالة .......تناول فص من
الفصوص الفجة....وضعه في فمه..... مضغه في بطْ.....ظهرت على وجه ملامح
الانزعاج تناولنا فص من فصوص ألبرتقاله وازدردتاه في صعوبة .....مذاقه
كان فظيعا مرا كالعلقم ......تحامل علي نفسه اخذ فصا اخرابتلعه فعرفنا
الإحباط وخيبة الأمل الأولى في حياتنا ......ألقى بباقي البرتقالة حيث
تبولنا قلدناه واتجهنا نسير خلفه في الشوارع وعند جسر الملك الصالح
رأينا بأم أعيننا الضابط محمد كمال يلقي بنفسه في النيل ويغرق دون
مقاومة ....حين سقط من الجسر أطلق صيحة مدوية عاودني نفس الشعور عندما
هويت من فوق سور المدرسة ....مرت أعوام ونحن نسير خلف مجدي نغنى خلفه
ما يغني.....التقطنا الهدايا والحلوى التي تسقطها الطائرات ونشدنا (يا
جمال يا حبيب الملايين ) وبكينا معه ونحن نغنى (الوداع يا جمال )وفي
النهاية استشهد مجدي قائدنا بعد إن حاربنا خلفه صامدين وظل هو ثابتا
يصد هجمات العدو معنا حين اصيبت دبابته بقذيفة خرج ووقف بجسده العاري
ويديه المجردتين يسد الطريق في وجه العدو وتم لنا النصر بعون
الله....واليوم كنت أسير بجوار سور المدرسة مددت يدي وتناولت برتقالة
دانيه من شجرة مدرسة القومية كانت كبيرة ناضجة ذات طعم ورائحة وحلمت إن
يكون مجدي معي لينال فصا من فصوصها وقرأت له
الفاتحة ....................................................تمت