العيالات ما يصلحوش للصوكان خاصك تكون ديما حاضي معاهم» ضغط سائق سيارة الأجرة على الفرامل بقوة مطلقا سيلا من الشتائم وهو يلعن اليوم الذى فكر فيه باحتراف مهنة السياقة؛ فقد توقفت السيارة التي كانت تتقدمه والشارة لا تزال برتقالية اللون. وانطلق الرجل في الحديث عن «الصوكان العوج ديال العيالات» معتبرا نفسه أنسب شخص للحكم على مدى مهارة النساء في السياقة، ومصرا على أنه كان على السائقة عدم التوقف والاستمرار في القيادة لأن الشارة ليست حمراء. «المرايا ديال الطونوبيل تدارت باش نشوفو بها الطريق ولكن العيالات تيخدموها باش يقادو حالتهم وتينساو الطريق أما إلى كانت هازا معاها الدراري كتنسا راسها لي صايكة وتبقى مقابلاهم» يواصل السائق هجومه . عبثا حاولت الزبونة في المقعد الخلفي للطاكسي الدفاع عن بنات جنسها بالقول إن النساء مشهود لهن بحسن احترامهن لقانون السير لكن الرجل استمر في سرد قصصه مع نسوة يتطفلن على فن السياقة الخاص بالرجال في نظره. من الواضح أن عدد النساء اللاتي يقدن السيارات بالمغرب قد تضاعف في السنوات الأخيرة، على الأقل في المدن الكبرى، إذ يكفي أن تنزل إلى شارع من شوارع البيضاء أو الرباط أو طنجة لتجد أن عدد السائقين من النساء يقارب إلى حد ما نظيره من الرجال. إنه ارتفاع يدل على حجم التغيير الذي يعرفه المجتمع المغربي، فبعد أن كانت سياقة المرأة للسيارة «عيب» ومدعاة للاستهجان صارت أمرا عاديا ومقبولا اجتماعيا. تطور جاء لمواكبة المتطلبات الحياتية الجديدة إما للتنقل من وإلى العمل أو لاصطحاب الأطفال إلى المدارس أو لقضاء الأغراض الخاصة، كما أن الاستقلال المادي للمرأة ساهم هو الآخر في تزايد عدد النساء المستعملات للسيارة الخاصة. لكن هذا الأمر الذي يعد مدعاة فخر بالنسبة للبعض، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يثيره مثل هذا الموضوع من جدل في بعض بلدان الخليج خاصة بالعربية السعودية، ليس كذلك بالنسبة للجميع، إذ يظل استهجان أسلوب سياقة المرأة سلوكا شائعا لدى الكثيرين في المجتمع المغربي.. سائق الطاكسي ليس الوحيد الذي ينتقص من القدرة النسائية على السياقة الجيدة، فالنظرة التي يحملها مجتمعنا للمرأة السائقة غالبا ما تشكك في قدرتها على التحكم في المقود والسياقة الجيدة. « كلما فاتحت والدي في موضوع حصولي على رخصة السياقة التي وعدني بها أجابني أبنتي راه الصوكان صعيب عليك» تتحسر أمينة (21، طالبة ) التي تحلم بالحصول على رخصة السياقة وتصر على أنها ستتمكن إن عاجلا أو آجلا من إقناع والدها بضرورة حصولها على الرخصة وعلى السيارة إسوة بإخوتها الذكور. وعلى عكس أمينة التي لم تتمكن من الحصول على الرخصة بعد، تحكي أسية، سيدة متزوجة، قصتها مع حلم السياقة « بعد مفاوضات شاقة، استطعت إقناع زوجي بضرورة حصولي على رخصة السياقة كي أعفيه من اصطحابي في كل مشاويري (...) اغتنمت العطلة الصيفية وأخذت دروسا في السياقة متحملة حرارة شهر غشت بصبر، كنت سعيدة بعد حصولي على الرخصة وأنا أتخيل نفسي أسوق سيارة زوجي الفارهة (...) لكنه فاجأني بالقول « لست مجنونا حتى أسلم مفاتيح سيارتي لامرأة»!! وتضيف أسية أنها طلبت من الزوج أن يشتري لها سيارة خاصة لكنه رفض متعللا بأنه يخشى عليها من الحوادث وأنه سمح لها بالحصول على الرخصة «غير باش تسكتو من الصداع» . كريم هو الآخر لا يؤمن أبدا بمهارة النساء في القيادة، ويصر بأن كل الحوادث التي تعرض لها كانت بسبب سائقة امرأة « فهن يرتبكن بسرعة ولا يحسن التصرف في الوقت المناسب» مستدلا على ذلك بكون آخر حادث تعرض له كان بسبب سائقة صدمت سيارته التي كانت مركونة أمام منزله بينما كانت تحاول ركن سيارتها هي الأخرى. ويستمر كريم في إبداء استيائه من سياقة النساء معترفا أنه يضاعف حذره إذا تبين له أن السائق امرأة معتبرا بأن شرطة المرور نفسها يئست من الطريقة البدائية التي تسوق بها النساء. وهذا ما ينفيه بعض رجال شرطة المرور الذين لا يرون أي فرق بين سياقة المرأة أو الرجل مؤكدين أن احترام قانون السير لا يخضع لجنس السائق بل لتربيته وقناعته الذاتية. بعض أرباب مدارس تعليم السياقة هم أيضا، وبحكم تعاملهم اليومي مع المتعلمين ذكورا وإناثا ينفون مثل هذه الاتهامات، إذ تؤكد نعيمة أستاذة بمدرسة لتعليم السياقة أن مستوى الاستيعاب يبقى متقاربا جدا بين المتعلمين ذكورا وإناثا وأن الارتباك أو الخوف هو أمر طبيعي لا يلبث أن يزول مع الممارسة. يرتكز عمل سمية، كمندوبة لشركة دوائية، على تنقلاتها بالسيارة، وهو ما يدفعها إلى الاعتقاد بأن الحوادث التي تكون المرأة طرفا فيها غالبا ما تحدث بسبب التضييق والإزعاج الذي تتعرض له النساء من قبل بعض السائقين الرجال الذين يستمتعون بمضايقة النساء وإرباكهن أثناء القيادة، خاصة المبتدئات ممن يحملن إشارة « 90» مما يؤدي إلى وقوع الحوادث ومن ثم اتهام المرأة بسوء القيادة. وتصر سمية على أن النساء أكثر حذرا من الرجال وأقل ارتكابا للحوادث لاسيما تلك المرتبطة بالسرعة، مؤمنة أنه لولا مهارتها في القيادة لما حصلت على عملها الحالي، حيث تمضي يومها في سيارتها، متنقلة من عيادة لأخرى ومن مستشفى لآخر. ويعترف الحاج لحسن، أستاذ بمدسة لتعليم السياقة، بأنه يلاحظ نوعا من المنافسة الخفية بين المتعلمين، إذ تبذل النساء مجهودا أكبر، كما أنهن يولين اهتماما بحفظ قانون السير أكثر من الرجال، حتى أن بعضهن قد يتفوقن على الفتيان الذين يستسهلون العملية فتكون النتيجة اضطرارهم لإعادة امتحان السياقة. أما رجاء، فتعتقد أن نوع وحجم السيارة يغري بعض السائقين من الرجال بإزعاج السائقات. فالنساء عادة يفضلن سياقة سيارات من الحجم الصغير وبالتالي يصبح صغر حجم السيارة دافعا للإزعاج الذي قد تتعرض له، أما إذا كانت السائقة تملك سيارة فارهة فإن الأمر يعطي أيضا مفعولا عكسيا إذ يشعر السائقون خاصة الشباب بالغيرة ويبدأ مسلسل الإزعاج. ويحكي أحمد قصته مع سياقة النساء ضاحكا « أذكر مرة أنني كنت أقود سيارتي متوجها إلى عملي وإذا بي أفاجئ بعرقلة مرورية بمفترق للطرق وسرعان ما اكتشفت أن أختي هي المسؤولة عن تلك الفوضى بعد أن توقف محرك سيارتها عن العمل، فما كان مني إلا أن تركتها هناك وسط «الكلاكسونات» وقد غضبت كثيرا مني عندما علمت بتصرفي، فأخبرتها أن هذا سيكون درسا لها حتى لا تعود للجلوس خلف المقود مرة أخرى.» لكن أحمد يعود ويعترف بأن أخته الآن أصبحت سائقة ماهرة، حتى أن والدته لا تركب السيارة إلا إذا كانت أخته هي من يقودها.